لم تنفع في توقيفها لا العقوبات بالسجن ولا الغرامات ولا
دوريات خفر السواحل
''الحرقة''.. رسالة
إلى السلطة عنوانها ''روما ولا انتوما''
لم تعد
''الحرفة'' باتجاه الضفة الشمالية للمتوسط مجرد حلم فقط، بل تحولت لدى
الآلاف من الجزائريين إلى مشروع قائم بذاته يتم التحضير له بنفس طريقة
الإعداد للزواج أو لشراء سيارة. لكن مع ذلك، لم تحسن السلطات العمومية
قراءة هذه القضية بكل أبعادها، واكتفت بإصدار قانون شددت فيه العقوبات
والغرامات وحتى السجن ضد ''الحرافة'' دون أن تكلف نفسها عناء البحث لماذا
يهتف هؤلاء المغامرون ''روما ولا انتوما'' وهم يمتطون قوارب الموت في عرض
المتوسط باتجاه إسبانيا أو إيطاليا، لا يخيفهم لذلك أي شيء. وبعد 4 أشهر من
''تجريم'' الحرفة من قبل السلطة لم تتغير الصورة؛ حيث ما زال خفر السواحل
يوقفون الشباب من مختلف الأعمال يحاولون الهجرة نحو أوروبا.. وهو ما يعني
أن السلطات العمومية فشلت لأنها لم تفهم أصلا المشكلة.
3 ملايين منصب عمل ومليون سكن ومثلها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للشباب
وعود السلطة لم تنجح في قتل شهية ''الحرقة'' لدى الجزائريين
هل يكفى تأكيد رئيس الجمهورية
في خطابه، بمناسبة ذكرى 20 أوت، بأن ''الذين يغشون ويغالطون الشباب بوعود
عرقوبية كاذبة وبجنات موعودة خلف البحار فيحشرونهم في قوارب الموت، هؤلاء
وغيرهم فاقدو الأخلاق عديمو الضمير''، لتوقيف الحرافة وإقناعهم بالعدول عن
''المغامرة'' بالهجرة باتجاه الضفة الشمالية للمتوسط؟
لم تعد ظاهرة ''الحرافة'' تقتصر على البطالين أو من لا مهنة لهم، بل شملت
أيضا الموظفين والجامعيين وأصحاب الشهادات. ولم تعد محصورة على الذكور دون
الإناث أو على الشباب دون كبار السن.. وهو ما يعني أن الظاهرة بعيدة عن
كونها مجرد رغبة في المغامرة أو طيش شباب، بقدر ما تكشف عن أزمة اجتماعية
واقتصادية وسياسية عميقة الجذور ما زالت تنتظر من السلطة أن ''تفهم''
حقيقتها وأسبابها.
وبقدر ما تثير الهجرة السرية للجزائريين باتجاه الضفة الشمالية حيرة وسط
الحكومات الأوروبية التي تجد صعوبة في إيجاد المبررات لهجرة شباب من بلد
غني مثل الجزائر، بقدر أن السلطات العمومية لم تستوعب الأمر، بل استخفّت
بالقضية، بدليل أن أول وصفة علاجية اقترحتها لمواجهة ظاهرة ''الحرافة'' لم
تخرج عن الحلول السهلة التي تعتمد على العقوبات بالسجن والغرامات المالية..
وهي الوصفة التي لم تؤثر قط في تقليص أعداد المهاجرين، رغم إحالة العديد
من الذين أوقفهم حراس السواحل على العدالة.
ولا يكشف هذا الواقع سوء فهم للظاهرة من طرف السلطة وبالتالي الخطأ في
تحديد العلاج فقط، بل القضية أبعد من ذلك.. فرئيس الجمهورية رغم برنامجه
الذي تعكف الحكومة على تنفيذه، خصوصا ما تعلق بإنشاء 3 ملايين منصب شغل، لم
يصل خطابه إلى أسماع الشباب البطالين حتى لا نقول لم ينجح في إقناعهم.. ما
يؤشر أن هناك حلقة مفقودة بين السلطة والمواطنين؛ إذ لا يعقل أنه في الوقت
الذي تلتزم السلطات العمومية بإنشاء ملايين المناصب الجديدة ومثلها من
السكن ومثلها من المؤسسات الصغيرة لفائدة الشباب البطال، تزداد وتيرة
''الحرافة'' من سنة لأخرى ولا تتراجع ويحل اليأس والقنوط محل الأمل والثقة
بالمستقبل.
قد يكون الشباب الحرافة قد نفد صبره، وهو الذي تمت مغالطته، كما قال رئيس
الجمهورية في خطابه بـ''وعود عرقوبية كاذبة وبجنات موعودة خلف البحار''،
وبالتالي وقع ضحية في كل الحالات، لأن سياسات التنمية لم تنقذه من بين أيدي
السماسرة، لكونها كانت سياسات على ورق لم تجد طريقها للتجسيد من قبل
الحكومات المتعاقبة. وعندما لا تستطيع السلطة التي تملك أكثر من 144 مليار
دولار كاحتياطات مالية في خزائنها من وقف المهاجرين السريين من مواطنيها
وليس من دول الساحل الإفريقي، فهو دليل على فشل برنامج التنمية برمته.
أبعد من ذلك، يبدو من الإجراءات العقابية التي وضعتها السلطات العمومية
لتطويق ظاهرة ''الحرافة''، أن الدولة سعت لرفع الحرج مع نظرائها في الخارج
أكثر منه تعبيرا عن انشغالها بالموضوع.. بدليل أن ما اقترح من قِبل وزارة
التضامن من تدابير لفائدة الشباب لقتل شهية ''الحرفة'' لديهم، هي مجرد
خطابات ذابت بمجرد طلوع الشمس. كما أن ما ردت به الجزائر من اقتراحات على
الأوروبيين، بخصوص تنظيم ملف الهجرة، لا يعد مؤشرا على أن هذا الملف يوجد
ضمن أولويات ''أجندة'' السلطة، رغم أن هؤلاء المهاجرين يمثلون ''زبدة''
المجتمع.
دوريات خفر السواحل
''الحرقة''.. رسالة
إلى السلطة عنوانها ''روما ولا انتوما''
لم تعد
''الحرفة'' باتجاه الضفة الشمالية للمتوسط مجرد حلم فقط، بل تحولت لدى
الآلاف من الجزائريين إلى مشروع قائم بذاته يتم التحضير له بنفس طريقة
الإعداد للزواج أو لشراء سيارة. لكن مع ذلك، لم تحسن السلطات العمومية
قراءة هذه القضية بكل أبعادها، واكتفت بإصدار قانون شددت فيه العقوبات
والغرامات وحتى السجن ضد ''الحرافة'' دون أن تكلف نفسها عناء البحث لماذا
يهتف هؤلاء المغامرون ''روما ولا انتوما'' وهم يمتطون قوارب الموت في عرض
المتوسط باتجاه إسبانيا أو إيطاليا، لا يخيفهم لذلك أي شيء. وبعد 4 أشهر من
''تجريم'' الحرفة من قبل السلطة لم تتغير الصورة؛ حيث ما زال خفر السواحل
يوقفون الشباب من مختلف الأعمال يحاولون الهجرة نحو أوروبا.. وهو ما يعني
أن السلطات العمومية فشلت لأنها لم تفهم أصلا المشكلة.
3 ملايين منصب عمل ومليون سكن ومثلها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للشباب
وعود السلطة لم تنجح في قتل شهية ''الحرقة'' لدى الجزائريين
هل يكفى تأكيد رئيس الجمهورية
في خطابه، بمناسبة ذكرى 20 أوت، بأن ''الذين يغشون ويغالطون الشباب بوعود
عرقوبية كاذبة وبجنات موعودة خلف البحار فيحشرونهم في قوارب الموت، هؤلاء
وغيرهم فاقدو الأخلاق عديمو الضمير''، لتوقيف الحرافة وإقناعهم بالعدول عن
''المغامرة'' بالهجرة باتجاه الضفة الشمالية للمتوسط؟
لم تعد ظاهرة ''الحرافة'' تقتصر على البطالين أو من لا مهنة لهم، بل شملت
أيضا الموظفين والجامعيين وأصحاب الشهادات. ولم تعد محصورة على الذكور دون
الإناث أو على الشباب دون كبار السن.. وهو ما يعني أن الظاهرة بعيدة عن
كونها مجرد رغبة في المغامرة أو طيش شباب، بقدر ما تكشف عن أزمة اجتماعية
واقتصادية وسياسية عميقة الجذور ما زالت تنتظر من السلطة أن ''تفهم''
حقيقتها وأسبابها.
وبقدر ما تثير الهجرة السرية للجزائريين باتجاه الضفة الشمالية حيرة وسط
الحكومات الأوروبية التي تجد صعوبة في إيجاد المبررات لهجرة شباب من بلد
غني مثل الجزائر، بقدر أن السلطات العمومية لم تستوعب الأمر، بل استخفّت
بالقضية، بدليل أن أول وصفة علاجية اقترحتها لمواجهة ظاهرة ''الحرافة'' لم
تخرج عن الحلول السهلة التي تعتمد على العقوبات بالسجن والغرامات المالية..
وهي الوصفة التي لم تؤثر قط في تقليص أعداد المهاجرين، رغم إحالة العديد
من الذين أوقفهم حراس السواحل على العدالة.
ولا يكشف هذا الواقع سوء فهم للظاهرة من طرف السلطة وبالتالي الخطأ في
تحديد العلاج فقط، بل القضية أبعد من ذلك.. فرئيس الجمهورية رغم برنامجه
الذي تعكف الحكومة على تنفيذه، خصوصا ما تعلق بإنشاء 3 ملايين منصب شغل، لم
يصل خطابه إلى أسماع الشباب البطالين حتى لا نقول لم ينجح في إقناعهم.. ما
يؤشر أن هناك حلقة مفقودة بين السلطة والمواطنين؛ إذ لا يعقل أنه في الوقت
الذي تلتزم السلطات العمومية بإنشاء ملايين المناصب الجديدة ومثلها من
السكن ومثلها من المؤسسات الصغيرة لفائدة الشباب البطال، تزداد وتيرة
''الحرافة'' من سنة لأخرى ولا تتراجع ويحل اليأس والقنوط محل الأمل والثقة
بالمستقبل.
قد يكون الشباب الحرافة قد نفد صبره، وهو الذي تمت مغالطته، كما قال رئيس
الجمهورية في خطابه بـ''وعود عرقوبية كاذبة وبجنات موعودة خلف البحار''،
وبالتالي وقع ضحية في كل الحالات، لأن سياسات التنمية لم تنقذه من بين أيدي
السماسرة، لكونها كانت سياسات على ورق لم تجد طريقها للتجسيد من قبل
الحكومات المتعاقبة. وعندما لا تستطيع السلطة التي تملك أكثر من 144 مليار
دولار كاحتياطات مالية في خزائنها من وقف المهاجرين السريين من مواطنيها
وليس من دول الساحل الإفريقي، فهو دليل على فشل برنامج التنمية برمته.
أبعد من ذلك، يبدو من الإجراءات العقابية التي وضعتها السلطات العمومية
لتطويق ظاهرة ''الحرافة''، أن الدولة سعت لرفع الحرج مع نظرائها في الخارج
أكثر منه تعبيرا عن انشغالها بالموضوع.. بدليل أن ما اقترح من قِبل وزارة
التضامن من تدابير لفائدة الشباب لقتل شهية ''الحرفة'' لديهم، هي مجرد
خطابات ذابت بمجرد طلوع الشمس. كما أن ما ردت به الجزائر من اقتراحات على
الأوروبيين، بخصوص تنظيم ملف الهجرة، لا يعد مؤشرا على أن هذا الملف يوجد
ضمن أولويات ''أجندة'' السلطة، رغم أن هؤلاء المهاجرين يمثلون ''زبدة''
المجتمع.