الحمد
لله الذي جعل الليل لباسا، والنوم سباتا، والنهار
نشورا. الحمد
لله الأبدي السابق القوي الخالق، الوفي الصادق، لا يبلغ كنه مدحه الناطق،
ولا يعزب
عنه ما تجن الغواسق، فهو حي لا يموت ودائم لا يفوت، وملك لا يبور، و عدل لا
يجور،
عالم الغيوب وغافر الذنوب وكاشف الكروب وساتر العيوب، دانت الأرباب
لعظمته،
وخضعت الصعاب لقوته، وتواضعت الصلاب لهيبته، وانقادت الملوك لملكه،
فالخلائق له
خاشعون، ولأمره خاضعون، وإليه راجعون، تعالى الله الملك الحق، لا إله إلا
هو رب
العرش الكريم، اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم من خلقه، واختاره
لنبوته، وأيده بحكمته، وسدده بعصمته، أرسله بالحق بشيرا برحمته، ونذيرا
بعقوبته،
مباركا على أهل دعوته، فبلغ ما أرسل به، ونصح لأمته، وجاهد في ذات ربه،
وكان كما
وصفه ربه عز وجل رحيما بالمؤمنين، عزيزا على الكافرين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى
آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
خلق الله عز وجل
الإنسان ونفخ فيه من روحه الزكية، وجعل الروح جوهر الحياة والجسد وعاء
حافظا لها إلى أجل مسمى،
مقيدا قدرتها على الانطلاق والتحليق في آفاق الكون. وقد انفرد الحق عز وجل
بالكمال المطلق وكتب على خلقه النقص في الأموال والأنفس والثمرات لأسرار
اقتضتها
حكمته وخبرته وكمال علمه.
والإنسان وهو روح وجسد
تعتريه
الأمراض النفسية من قلق واكـتـئاب واضطراب وتذبذب في الشعور والإدراك
ووسوسة تفرز
التردد والشكوك والانهيار النفسي وكذا السحر والعين وما يليهما.
وقد هيأ الله سبحانه و
تعالى
للإنسان حياة حضارية خدمته في كثير من شؤون حياته من حيث حمايته والحفاظ
على حقوقه
والأخذ بأسباب سلامته من الأمراض وتمكينه من عمارة الأرض والقيام بخلافته
بل
وكرمه وحمله في البر والبحر ورزقه من الطيبات وفضله على كثير من المخلوقات،
فضلا
عن عناية الله بالإنسان في تيسير أمر استقامته وصلاحه وهديه بإرسال أنبيائه
ورسله مبشرين ومنذرين ختمهم بسيدنا محمد ابن عبد الله النبي الأمي وأيده
بالمعجزة
الخالدة والحجة البالغة: القرآن الكريم تبيانا لكل شيء وهدى وموعظة وبشرى
للمهتدين.
فعن ابن عباس رضي
الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:
﴿يا
غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت
فاسأل
الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك
بشيء لم
ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك
إلا بشيء
قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف﴾.
رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح.
القرآن شفاء:
يقول تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ
لِمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
(سورة يونس
آية
57).
إن من نعمة الله علينا أن جعل لكل داء
دواء
علمه من علمه وجهله من جهله. وجعل
لنا من هذه النعم نعمة القرآن فهو الآية المعجزة حتى قيام الساعة، هو حبل
الله
المتين ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات ورحمته المهداة التي بـها صلاح
أمر
الدنيا والآخرة، لا تفنى عجائبه ولا تختلف دلالاته فهو ذكر ونور ودستور
وعلوم
وهداية وشفاء وصحة.
ـقال
تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ
مِنَ اَلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُومِنِينَ وَلاَ
يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾
(سورة
الإسراء
آية 82).
اعلم أخي / أختي المريض(ة) أن الله عز وجل حين ابتلاك
بالمرض ورضيت بقضاء
الله وقدره كان ذلك دلالة حب من الله عز وجل لك ليطهرك ويمحص ذنوبك ومؤشراً
لمحاسبة نفسك، عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله
صلى الله
عليه وسلم:
﴿إن
عظم الجزاء من عظم البلاء، وأن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى
ومن سخط فله السخط﴾.
أخرجه
الترمذي، ويذكرك بحقيقة
الدنيا الفانية
قال تعالى:
﴿وَمَا
الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُور﴾.
والإنسان
مكون من روح ومادة وسلامته وقدرته على ممارسة الحياة تستوجب سلامة الروح والجسد لأنهما متكاملان ومترابطان، فالجسد
وعاء الروح وهي لا تكون في صفاء وطمأنينة إلا
بسلامة الجسد من الأمراض ولا يكون الجسد في صحة وسلامة وعافية إلا بسلامة
الروح من
الأمراض التي تعتريه والمؤكد أن للأمراض الباطنية آثار في حصول الأمراض العضوية،
فالضيق والإكتئاب "على سبيل المثال لا الحصر"
يسبب ضعف المناعة والدورة الدموية ومن ثم يسهل تسرب الجراثيم والفيروسات
إلى
الجسد كما أن علاج أحوال الروح وما يعتريها من أوهام ووساوس وخلجات
وانتكاسات في
التفكير والتركيز دواء غير محسوس بالمشاهدة وإنما هو أمر معنوي له أثره
البالغ في
الوقاية والعلاج عن طريق الأخذ بالأسباب
الشرعية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
﴿عليكم
بالشفائين: القرآن والعسل﴾.
أخرجه ابن ماجة،
فجمع صلى الله عليه وسلم بين
الطب الإلهي
والبشري، وبين طب الأرواح والأبدان، وبين الدواء السماوي والأرضي.